U3F1ZWV6ZTQzNzQwMjc3MjU1NzE5X0ZyZWUyNzU5NTE0OTE1MjM5Ng==
Health and beauty category

المتابعون

قصص قصيرة .. قصة حياة القدیس مقاریوس الكبير

قصة حياة
القدیس مقاریوس الكبير 

قصص قصيرة .. قصة حياة  القدیس مقاریوس الكبير

خروجه إلى البریة 

هروبه من القسيسية: 

 جاء عن القديس مقاريوس الكبير انه قال: 

 اني في حال شبابي كنت جالساً في قلاية في مصر فأمسكوني وجعلوني قساً لضيعة (قرية). وإذا لم أؤثر أن أتقلد هذه الرتبة هربت إلى مكان آخر. حيث كان يأتيني

رجل علماني تقي وكان يخدمني ويبيع عمل يدي. 

تجربته الأولى: 

 في يوم من الأيام حدث أن بتولاً في ذلك المكان سقطت في زنى وحملت، فلما أشهرت سئلت عمن فعل معها هذا الفعل فقالت: المتوحد ..؟! 

 وسرعان ما خرجوا عليَّ وأخذوني باستهزاء مريع إلى القرية وعلقوا في عنقي قدوراً قذرة جداً وآذان جرار مسودة مكسورة. 

 وشهروا بي في كل شارع من شوارع القرية وهم يضربونني قائلين: أن هذا الراهب أفسد عفة ابنتنا البتول، اخزوه، وهكذا ضربوني ضرباً مبرحاً قربت بسببه إلى الموت إلى أن جائني أحد الشيوخ فقال لهم: إلى متى هذه الاهانة، أما يكفيه كل ذلك خجلاً فكانوا يشتمونه قائلين: ها هو المتوحد الذي شهدت له بالفضل، انظر ماذا فعل. 

وأخيراً قال والدها: لن نطلقه حتى يأتينا بضامن انه يتعهد بالقيام باطعامها ويدفع نفقة لولادتها إلى أن يتربى الطفل. فدعوت الأخ الأمين الذي كان يخدمني وقلت له: "اصنع

محبة واضمني". فضمنني ذلك الرجل واطلقوني بعد ذلك فمضيت إلى قلايتي وقد كدت أن أموت. ولما دخلت قلايتي أخذت أقول لنفسي: "كد يا مقارة فها قد صارت لك امرأة. 

الآن يا مقارة قد وجدت لك امرأة وبنون. فينبغي لك أن تعمل ليلاً ونهاراً لقوتك وقوتهم" وهكذا كنت أعمل دائماً قففاً وادفعها إلى ذلك الرجل الذي كان يخدمني فيبيعها ويدفع للمرأة. حتى إذا ولدت تنفق على ولدها. 

 ولما حان وقت ولادة الشقية مكثت أياماً كثيرة وهي معذبة وما استطاعت أن تلد. فقالوا لها: "ما هو هذا؟ .. ما هو ذنبك فها انت بعد قليل تموتين؟" فقالت: "ان كل ما اصابني كان بسبب أن قد ظلمت المتوحد واتهمته وهو بريء لأنه ما فعل بي شيئاً قط. لكن فلان الشاب هو الذي تحايل عليَّ وفعل بي هذا". 

 فجاء إلى خادمي مسروراً وقال لي: أن تلك البتول ما استطاعت أن تلد حتى اعترفت قائلة: "ان المتوحد لا ذنب له في هذا الأمر مطلقاً. وقد كنت كاذبة في اتهامي له". وها أهل القرية كلهم عازمون على الحضور اليك ويسألونك الصفح والغفران. فلما سمعت انا هذا الكلام من خادمي اسرعت هارباً إلى الاسقيط وهذا هو السبب الذي لأجله جئت إلى جبل النطرون. 

أب الرهبان: 

 قيل عن الانبا مقاريوس انه بنى لنفسه قلاية غربي الملاحات وسكن فيها.  وصار يضفر الخوص ويعيش من عمل يديه ويعبد االله كنحو قوته.. فلما سمع به أناس حضروا إليه وسكنوا معه. فكان لهم أباً مرشداً. 

 وكثر الذين يحضرون إليه فكان يلبسهم الزي ويرشدهم إلى طريق العبادة. فلما كبر عددهم بنوا لهم كنيسة هي الآن موضع البراموس. فلما ضاق بهم المكان ولم تعد الكنيسة تسعهم تحول الأب من ذلك المكان وبنى كنيسة أخرى. 

فضائله: 

1 -فاعلية صلاته: 

 انطلق الأب مقاريوس مرة من الاسقيط حاملاً زنابيل فأعيي من شدة التعب ووضع الزنابيل على الأرض وصلى قائلاً: يارب. أنت تعلم انه ما بقى فيَّ قوة. وإذا به يجد نفسه على شاطئ النهر. 

2 -وداعته وتواضعه: 

أتى الأب مقاريوس يوماً من الاسقيط إلى نيرس فقال له الشيوخ: قل كلمة للأخوة أيها الأب. فاجابهم قائلاً: انا لم أصر بعد راهباً، لكني رايت رهباناً .. فقط كنت يوماً جالساً في الاسقيط في القلاية وإذا أفكار تأتيني قائلة: اذهب إلى البرية الداخلية وتأمل فيما تراه هناك. ومكثت مقاتلاً لهذا الفكر خمس سنوات ظاناً انه من الشيطان.  لكني لما وجدت الفكر ثابتاً مضيت إلى البرية فصادفت هناك بحيرة ماء وفي وسطها جزيرة بها وحوش برية وقد جاءت إلى الماء لتشرب وشاهدت بينها رجلين مجردين (عاريين) فجزعت منهما لأني ظننت انهما روحان. لكنهما لما رأياني خائفاً جزعاً

خاطباني قائلين: لا تجزع فاننا بشريان مثلك .. فقلت لهما: من انتما؟ .. ومن اين انتما؟

.. وكيف جئتما إلى هذه البرية؟ .. فقالا لي: 

كنا في كنونيون وقد اتفقنا على ترك العالم فخرجنا إلى ها هنا. ولنا منذ مجيئنا إلى هنا أربعون سنة". وقد كان احدهما مصرياً والآخر نوبياً فسألتهما: كيف أصير راهباً فقالا لي: أن لم یزهد الإنسان في كل أمور العالم فلن یستطيع أن یصير

راهباً. فقلت لهما: اني ضعيف فما استطيع أن أكون مثلكما. فقالا لي: أن لم تستطع أن تكون مثلنا فاجلس في قلايتك وابك على خطاياك. فسألتهما: اما تبردان أن صار شتاء.

وإذا صار حر أما يحترق جسداكما؟ .. فأجاباني: أن االله قد دبر لنا ألا نجد في الشتاء برداً ولا يضرنا في زمن الحصاد حر وأخيراً قال القديس للأخوة: "لذلك قلت لكم

اني لم أصر بعد راهباً؟ .. بل رأيت رهباناً .. فاغفروا لي". 

وأورد بلادیوس تفسيراً جاء فيه: 

 قال الأخوة: ماذا قصد الراهبان في قولهما لأنبا مقاريوس: 

 "ان لم تقدر أن تكون راهباً مثلنا، أجلس في قلايتك وابك على خطاياك". 

 أجاب شيخ: لأنهما عرفا أن الراهب بالحقيقة هو الرجل الذي استطاع أن يكون منعزلاً بجسده، مقيماً في حياة التأمل والسكون، عمالاً بالروح والجسد، متضعاً، باكياً كل يوم على خطاياه، قاطعاً من نفسه كل ذكريات الشهوة، والأفكار المقلقة، متأملاً في الله، وفي كيف يحيا باستقامة، وذلك مثلما قال الطوباوي أوغريس: "ان الراهب المنفرد

عن العالم هو من قطع نفسه كل حركات الشهوة وثبت في الرب بكل أفكار روحه". 


 + قيل انه في إحدى المرات كان أبا مقاريوس عابراً في الطريق حاملاً خوصاً عندما قابله الشيطان وأراد أن يقطعه بمنجل كان ممسكاً به في يده. ولكنه لم يستطع أن

يفعل هذا، وقال له: "يا مقاريوس. انك تطرحني على الأرض بقوة عظيمة، وأنا لا استطيع أن أغلبك. ولكن انظر، هوذا كل عمل تعمله أنت، استطيع أنا ايضاً أن أعمله. 

أنت تصوم، وأنا لا آكل ابداً. أنت تسهر، وأنا لا أنام مطلقاً. ولكن هناك شيئاً واحداً به تغلبني" حينئذ قال له مقاريوس: "وما هو هذا؟" فقال الشيطان: "انه تواضعك. لأنه من

أجل هذا لا أقدر عليك". فبسط القديس مقاريوس يديه للصلاة، وحينئذ اختفى الشيطان. 


 + وورد أيضاً انه في مرة ما أمسك الشيطان سكيناً، ووقف على أبا مقاريوس مريداً أن يقطع رجله. ولما لم يقدر أن يفعل هذا من أجل تواضع الشيخ، أجاب وقال له: 

"كل شيء تملكه، نملكه نحن ايضاً. ولكنك بالتواضع فقط تتفوق علينا، وبه وحده تغلبنا". 

قيل عن أبا مقاریوس انه عندما كان يقترب إليه الأخوة في خوف، كما  إلى شيخ عظيم وقديس. لم يكن يجيبهم بكلمة. وعندما كان أخ يقول له في استهزاء: 

"أيها الآب، لو كنت جملاً، أما كنت تسرق النطرون وتبيعه، وأما كان الجمال يضربك؟

فانه كان يرد عليه، وان كان أحد يكلمه بغضب أو بكلمات مثل هذه، فانه  كان يجيب على كل سؤال يوجه اليه.


 وقال بلادیوس: أن مقاريوس الطوباوي كان يتصرف مع جميع الأخوة بدون أي ظن سيء. وقد سأله بعض الناس: "لماذا تتصرف هكذا؟" فأجابهم: "يمنحني هذه الموهبة، فهل تنصحونني بأن اتخلى عنها؟!" لو أن انساناً اقترف انما تحت بصر انسان معصوم من الخطية فليعف ذلك المعصوم نفسه وحده من الاشتراك في حمل قصاص من سقط. 

 ومن أمثلة تواضعه ايضاً استرشاده بمن هو أصغر منه وذلك كما ورد في القصة التالية: 

 + قال أبا مقاریوس: ضجرت وقتاً وأنا في القلاية، فخرجت إلى البرية وعزمت على أن أسأل أي شخص أقابله من أجل المنفعة. وإذا بي أقابل صبياً يرعى بقراً، فقلت له: "ماذا أفعل أيها الولد فأني جائع؟" فقال لي: كل. فقلت: أكلت، ولكني

جائع ايضاً. فقال لي: كل دفعة ثانية. فقلت له: اني قد أكلت دفعات كثيرة ولا زلت جائعاً. فقال الصبي: "لست اشك في انك حمار يا راهب، لأنك تحب أن تأكل دائماً". 

فانصرفت منتفعاً ولم أرد له جواباً. 


3 -محبته للوحدة: 

 + .. واذ كان يتضايق لأن عدداً كبيراً من الناس كانوا يأتون ليتباركوا منه، لذلك دبر الخطة التالية: 

 حفر سرداباً في قلايته .. ووضع فيها مخبأ ذا طول مناسب، يمتد من قلايته إلى بعد نصف ميل. وعند نهايته حفر مغارة صغيرة. وعندما كانت تأتي إليه جموع كثيرة من الناس فتعكر وحدته، كان يترك قلايته سراً، ويمر عابراً في السرداب دون أن يراه أحد، ويختبئ في المغارة حيث لا يقدر أحد أن يجده. وقد اعتاد أن يفعل هذا آلما يرغب في الهروب من المجد الباطل الذي يأتي من الناس". 

 وقد قال لنا وحد من تلاميذه الغيورين انه في تركه القلاية إلى المغارة، كان يتلو ٢٤ ربعاً (استيخن)، وفي رجوعه ٢٤ أخرى. وحينما آان يذهب من قلايته إلى  الكنيسة، كان يصلي ٢٤ صلاة في عبوره إلى هناك، و٢٤ أخرى في رجوعه". 

 + دفعة سأل الاخوة شيخاً قائلين: اعتادوا أن يقولوا انه كان من عادة أبا مقاريوس أن يفر إلى قلايته إذا سرحت الكنيسة. والأخوة قالوا: أن به شيطاناً لكنه يعمل عمل الرب. فمن هم الذين قالوا أن به شيطاناً؟ .. وما هو عمل الرب الذي اعتاد أن

يعمله؟ 

 قال الشيخ: كان المتهاونون يقولون أن به شيطاناً، فعندما يرى ابليس أن رهبان الدير يعيشون في حياة روحية مباركة فان الشياطين تحرك الأخوة المتهاونين أن يثيروا حرباً ضدهم بالاهانة والانتهار، والاغتياب، والافتراء، والمحاكمات التي يسببونها لهم.

أما عمل الرب الذي كان يعمله أبا مقاريوس بفراره إلى قلايته فكان: صلاة

مصحوبة ببكاء ودموع طبقاً لما حث به ابا اشعياء قائلاً "عندما ينصرف الجمع أو عندما تقوم عن الغذاء، لا تجلس لتتحدث مع أي انسان، لا في أمور العالم ولا في أمور

روحية بل امض إلى قلايتك وابك على خطاياك". كما قال القديس مقاريوس الكبير للأخوة الذين كانوا معه: فروا يا اخوة. فقال الأخوة: ايها الأب. كيف نهرب أكثر من  مجيئنا إلى البرية؟ فوضع يده على فمه وقال: "من هذا فروا" . وفي الحال فر كل واحد إلى قلايته وصمت. 

 + اعتاد أبا مقاريوس أن يقول للأخوة بخصوص برية الاسقيط "عندما ترون قلالي قد اتجهت نحو الغابة اعرفوا أن النهاية قريبة. وعندما ترون الأشجار قد غرست إلى جوار الأبواب، اعلموا أن النهاية على الأبواب. وعندما ترون شباناً

يسكنون في الاسقيط، احملوا امتعتكم وارحلوا". 

4 -تقشفه وزهده: 

 + قيل عن الأب مقاريوس: انه كان قد جعل لنفسه قانوناً وهو انه إذا قدم له الأخوة نبيذاً كان لا يمتنع عن شربه لكنه عوض كل قدح نبيذ يشربه كان يصوم عن شرب الماء يوماً. فأما الأخوة فلكي ينيحوه كانوا يعطونه. وهو لم يمتنع بدوره

امعاناً في تعذيب ذاته. أما تلميذه فلمعرفته بأمر معلمه طلب من الأخوة من أجل الرب ألا يعطوا الشيخ نبيذاً لأنه يعذب ذاته بالعطش. فلما علموا بالأمر امتنعوا عن اعطائه نبيذاً منذ ذلك الوقت. 

 + قال بعض الآباء لأبا مقاريوس المصري: "ان جسدك قد جف سواء أكلت أو صمت". فقال لهم الشيخ "ان قطعة الخشب التي احترقت واكلتها النيران، تفنى تماماً،

وهكذا ايضاً قلب الإنسان يتطهر بخوف االله، وبذلك تفنى الشهوات من الجسد وتجف عظامه". 

 + وقيل ايضاً أن انساناً أتاه بعنقود مبكر، فلما رآه سبح الله. وأمر أن يرسلوه إلى أخ كان عليلاً، فلما رآه الأخ فرح، وهم أن يأخذ منه حبة واحدة ليأكلها لكنه أقمع شهوته، ولم يأخذ شيئاً وقال: "خذوه لفلان الأخ لأنه مريض أكثر مني". فلما أخذوا العنقود إليه رآه وفرح، ولكنه أقمع شهوته، ولم يأخذ منه شيئاً، وهكذا طافوا به على جماعة الأخوة فكان كل من أخذوه إليه يعتقد أن غيره لم يره بعد، وهكذا لم يأخذوا منه

شيئاً، وبعد أن انتهوا من مطافهم على اخوة كثيرون انفذوه إلى الأب فلما وجد انه لم تضع منه حبة واحدة، سبح الله من أجل قناعة الأخوة وزهدهم. 

 + وكان القديس يقول: "كما أن بستاناً واحداً يستقي من ينبوع واحد، تنمو فيه أثمار مختلف مذاقها وألوانها، كذلك الرهبان فانهم يشربون من عين واحدة، وروح واحد ساكن فيهم لكن ثمرهم مختلف، فكل واحد منهم يأتي بثمرة على قدر الفيض المعطى له من الله". 

 + قيل أن انساناً دوقس (أميراً) حضر من القسطنطينية ومعه صدقة للزيارة،

فزار قلالي الأخوة طالباً من يقبل منه شيئاً، فلم يجد أحداً يأخذ منه لا كثيراً ولا قليلاً. 

وكان إذا قابل أحدهم أجابه بأن لديه ما يكفيه وانه مصل من أجله كمثل من أخذ منه تماماً. فصار ذلك الدوقس متعجباً، ثم انه أحضر ذلك المال إلى القديس مقاريوس وسجد بين يديه قائلاً: "لأجل محبة المسيح اقبل مني هذا القليل من المال برسم الآباء" فقال له القديس: "نحن من نعمة االله مكتفون، وليس لنا احتياج إلى هذا، لأن كلا من الأخوة يعمل بأكل من حاجته" فحزن ذلك المحتشم جداً وقال: "يا أبتاه من جهة االله لا تخيب تعبي واقبل مني هذا القليل الذي أحضرته". 

 فقال له الشيخ: 

 "امض يا ولدي واعطه للأخوة". فقال له: "لقد طفت به عليهم جميعاً، فلم يأخذوا منه شيئاً، آما أن بعضهم لم ينظر إليه البتة". فلما سمع الشيخ فرح وقال له: 

"ارجع يا ابني بمالك إلى العالم وأهله، لأننا نحن أناس أموات". فلم يقبل المحتشم ذلك. 

فقال له القديس: "اصبر قليلاً". ثم أخذ المال وافرغه على باب الدير وأمر بأن يضرب الناقوس، فحضر سائر الأخوة وكان عددهم ٢٤٠٠ ،ثم وقف الأب وقال: "يا اخوة من

أجل محبة السيد المسيح، أن كان أحدكم محتاجاً إلى شيء فليأخذه بمحبة من هذا المال"، فعبر جميعهم ولم يأخذ أحد منه شيئاً. 

 فلما رأى الدوقس منه ذلك صار باهتاً متعجباً متفكراً، ثم القى بنفسه بين يدي الأب وقال: 

 "من أجل الله رهبني" فقال له القديس: "انك انسان كبير ذو نعمة وجاه ومركز، وشقاء الرهبنة كثير، وتعبها مرير، فجرب ذاتك ثم خبرني". فقال: "وبماذا تأمرني أن أفعل من جهة هذا المال؟" فقال له: "عمر به موضعاً بالأديرة". ففعل، وبعد قليل ترهب. 

 + وقيل انه بينما كان انبا مقاريوس سائراً في البرية وجد بقعة جميلة مثل فردوس االله وبها ينابيع ماء ونخيل كثير وأشجار من أنواع مختلفة ذات ثمار. 

 ولما أخبر الأخوة بذلك ألحوا عليه أن يقودهم للأقامة في ذلك المكان، فرد مع الشيوخ عليهم قائلاً: أن وجدتم اللذة والراحة في ذلك المكان، وإذا عشتم هناك بلا متاعب ومضايقات فكيف تتوقعون الراحة واللذة من االله، اما نحن فيليق بنا أن نحتمل الآلام لكي نتمتع بالسرور في الحياة الأبدية.

ولما قال هذا سكت الأخوة ولم يرحلوا. 

5 -اجهاده لنفسه: 

 + حدث مرة أن مضى ابا مقاريوس إلى القديس انطونيوس في الجبل وقرع بابه. فقال ابا انطونيوس: "من الطارق؟" فقال: "أنا مقاريوس أيها الأب" فتركه أبا انطونيوس ودخل ولم يفتح له الباب. لكنه لما رأى صبره فتح له أخيراً وخرج معه

وقال له: "منذ زمان وأنا مشتاق أن أراك". وأراحه لأنه كان مجهداً من اثر تعب شديد.  ولما حان المساء بل انطونيوس قليلاً من الخوص لنفسه فقال له مقاريوس: اتسمح أن

ابل لنفسي انا ايضاً قليلاً من الخوص؟ فقال له بل. فأصلح حزمة كبيرة وبلها وجلسا يتكلمان عن خلاص النفس وكانت الضفيرة تنحدر من الطاقة فرأى أبا انطونيوس باركاً

أن مقاريوس قد ضفر كثيراً جداً. فقال: "ان قوة كبيرة تخرج من هاتين اليدين". 

6 -حكمته: 

 + قيل أن ابا مقاريوس المصري ذهب في احدى المرات من الاسقيط إلى جبل نتريا. ولما اقترب من مكان معين قال لتلميذه: "تقدمني قليلاً". ولما فعل التلميذ هذا،

قابله كاهن وثني كان يجري حاملاً بعض الخشب، وكان الوقت حوالي الظهر. فصرخ نحوه الأخ قائلاً: "يا خادم الشيطان، إلى اين انت تجري؟" فاستدار الكاهن وانهال عليه

بضربات شديدة، وتركه ولم يبق فيه سوى قليل نفس. ثم حمل ما معه من خشب وسار في طريقه. 

 ولما ابتعد قليلاً، قابله الطوباوي مقاريوس في الطريق وقال له: "فلتصحبك المعونة يارجل النشاط" فاندهش الكاهن وأقبل نحوه وقال "اي شيء جميل رأيته فيَّ حتى حييتني هكذا؟" فقال الشيخ: "اني ارى انك تكد وتتعب وان كنت لا تدري لماذا" 

فأجاب الكاهن "وانا اذ تأثرت بتحيتك عرفت انك تنتمي إلى الاله العظيم ولكن هناك راهباً شريراً صادفني قبلك ولعنني، فضربته ضرب الموت". فعرف الشيخ انه تلميذه. 

اما الكاهن فأمسك بقدمي مقاريوس الطوباوي وقال له: "لن أدعك تمضي حتى تجعلني راهباً"، واذ سارا معاً وصلا إلى المكان الذي كان فيه الأخ مطروحاً، وحملاه وأتيا به

إلى كنيسة الجبل. ولكن الأخوة عندما رأوا الكاهن الوثني مع المغبوط مقاريوس تعجبوا كيف تحول عن الشر الذي كان فيه. وأخذه ابا مقاريوس وجعله راهباً، وعن طريقه

صار كثير من الوثنيين مسيحيين. وكان مقاريوس الطوباوي يقول: "أن الكلمات الشريرة والمتكبرة تحول الناس الأخيار إلى اشرار. ولكن الكلام الطيب المتواضع يحول الأشرار أخياراً". 

 + كان ابا مقاريوس يسكن وحده في البرية، وكان تحته برية أخرى حيث يسكن كثيرون. وفي أحد الأيام كان الشيخ يرقب الطريق، فرأى الشيطان سائراً فيه على هيئة رجل مسافر وقد أقبل اليه، وكان مرتدياً جلباباً كله ثقوب، وكانت أنواع مختلفة من الفاكهة معلقة فيها فقال له الشيخ مقاريوس "الى اين انت ذاهب؟" فأجاب

انا ماض لأزور الأخوة لأذكرهم بعملهم" فقال له الشيخ: "لأي غرض هذه الفاكهة المعلقة عليك؟" فأجاب: "ان احملها للأخوة آطعام". فسأله الشيخ: "كل هذه؟" فأجاب الشيطان: "نعم. حتى أن لم ترق لأحد الأخوة واحدة أعطيته غيرها، وان لم تعجبه هذه أعطيه تلك. ولابد أن واحدة أو أخرى من هذه ستروقه بالتأكيد". واذ قال الشيطان، سار في طريقه. 

 فظل الشيخ يرقب الطريق حتى اقبل الشيطان راجعاً. فلما رآه قال له: "هل وفقت؟" فأجاب الشيطان: "من أين لي أن احصل على معونة؟!". فسأله الشيخ: "لأي غرض؟" أجابه الشيطان: "الكل قد تركوني وثاروا علي وليس واحد منهم يسمح لنفسه أن يخضع لاغرائي" فسأله الشيخ: "الم يبق لك ولا صديق واحد هناك؟" فقال له الشيطان: "نعم، لي أخ واحد. ولكنه واحد فقط هذا الذي يخضع لي، على الرغم من انه حينما يراني يحول وجهه عني كما لو كنت خصماً له". فسأله الشيخ: "وما هو اسم هذا الأخ؟" فقال الشيطان: "ثيئوبمبتس Theopemptus "واذ قال هذا رحل وسار في طريقه. 

 حينئذ قام الشيخ ونزل إلى البرية السفلى. فلما سمع الأخوة بمجيئه اقبلوا للقائه بسعف النخل. وجهز كل راهب مسكنه ظاناً انه قد يأتي اليه. ولكن الشيخ سأل فقط عن الأخ الذي يدعى ثيئوبمبتس واستقبله بفرح. وبينما كان الأخوة يتحدثون مع بعضهم البعض قال له الشيخ: "هل عندك شيء تقوله يا أخي؟ وكيف هي أحوالك؟" فقال له ثيئو بمبتس: "في الوقت الحاضر الأمور حسنة معي" وذلك لأنه خجل أن يتكلم. 

 فقال له الشيخ: "هوذا أنا قد عشت في نسك شديد مدى سنين طويلة، وصرت مكرماً من كل أحد. وعلى الرغم من هذا، ومع انني رجل شيخ، الا أن شيطان الزنا يتعبني" فأجابه ثيئوبمبتس "صدقني يا أبي، انه يتعبني أنا ايضاً". واستمر الشيخ يوجد سبباً للكلام - آما لو كان متعباً من أفكار كثيرة - إلى أن قاد الأخ أخيراً إلى أن يعترف بالأمر. وبعد ذلك قال: "الى متى تصوم؟" فأجاب الأخ: "الى الساعة التاسعة" فقال له الشيخ: "صم حتى العشاء واستمر على ذلك. اتل فصولاً من الأناجيل ومن الأسفار الأخرى. وإذا صعدت فكرة إلى ذهنك، لا تجعل عقلك ينزل إلى أسفل، بل فليكن فوق

دائماً. والرب يعينك". وهكذا اذ جعل الأخ يكشف أفكاره، واذ شجعه، عاد ثانية إلى بريته. وسار في سبيله وكان يرقب الطريق كعادته. 

 ورأى الشيطان ثانية، فقال له: "الى اين أنت ذاهب؟" فأجاب وقال له: "أنا ذاهب لأذكر الأخوة بعملهم". ولما رحل ورجع ثانية، قال له القديس: "كيف حال الأخوة؟" فأجاب الشيطان: "انهم في حالة رديئة" فساله الشيخ كيف؟ فأجاب الشيطان "كلهم مثل حيوانات متوحشة. كلهم متمردون. وأسوأ ما في الأمر انه حتى الأخ الواحد الذي كان مطيعاً لي قد انقلب هو الآخر، لأي سبب لست أعلم، ولم يعد يخضع لاغرائي بأي حال. وصار أكثرهم نفوراً مني. ولذلك قد أقسمت اني لن أذهب إلى ذلك المكان، الا بعد مدة طويلة على الأقل". 

7 -محبته: 

 + قال بلاديوس: ذهب أبا مقاريوس في احدى المرات ليزور راهباً، فوجده مريضاً. فسأله أن كان يحتاج إلى شيء ليأكل اذ لم يكن له شيء في قلايته. فقال له الراهب: "أريد خبزاً طرياً أو فطيراً". فلما سمع الرجل العجيب هذا الطلب، سار إلى الاسكندرية - ولم يحسب الرحلة اليها متعبة على الرغم من أن المدينة كانت تبعد عنهم ٦٠ ميلاً - وأحضر طلب المريض. وقد فعل هذا بنفسه ولم يكلف أحداً آخر بأن

يحضره. وبهذا أوضح الشيخ مقدار الاهتمام الذي يشعر به نحو الرهبان. 

8 -عدم ادانته للآخرین: 

 + ومن أبرز صفاته انه كان صفوحاً متسامحاً ولا يدين أحداً عاملاً بالوصية القائلة: "لا تدينوا لكي لا تدانوا - مت 7 : 1" ."ايها الأخوة أن انسبق أحد فأخذ في زلة ما فأصلحوا انتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة. ناظراً إلى نفسك لئلا تجرب انت ايضاً - غل 1 : 8 

وبذلك اقتاد كثيرين إلى حياة الشركة العميقة مع الله. 

 والدليل على صدق هذه الحقيقة ما يلي: 

 + قيل عن القديس مقاريوس أنه كان في بعض القلالي أخ صدر منه أمر شنيع وسمع به الأب مقاريوس، ولم يرد أن يبكته .. فلما علم الأخوة بذلك لم يستطيعوا صبراً، فما زالوا يراقبون الأخ إلى أن دخلت المرأة عنده، فاوقفوا بعض الأخوة لمراقبته، وجاءوا إلى القديس مقاريوس. فلما أعلموه 


قال: "يا اخوة لا تصدقوا هذا الأمر، وحاشا لأخينا المبارك من ذلك" فقالوا: "يا ابانا، اسمح وتعال لتبصر بعينيك حتى يمكنك أن تصدق كلامنا". فقام القديس وجاء معهم إلى قلاية ذلك الأخ آما لو كان قادماً ليسلم عليه وأمر الأخوة أن يبتعدوا عنه قليلاً. فما أن علم الأخ بقدوم الأب حتى

تحير في نفسه، واخذته الرعدة وأخذ المرأة ووضعها تحت ماجور كبير عنده، فلما دخل الأب جلس على الماجور، وأمر الأخوة بالدخول، فلما دخلوا وفتشوا القلاية لم يجدوا أحداً ولم يمكنهم أن يوقفوا القديس من على الماجور، ثم تحدثوا مع الأخ وأمرهم بالانصراف. فلما خرجوا امسك القديس بيد الأخ وقال: "يا أخي، على نفسك احكم قبل أن يحكموا عليك، لأن الحكم الله". ثم ودعه وترآه، وفيما هو خارج، اذ بصوت أتاه قائلاً: "طوباك يا مقاريوس الروحاني، يا من تشبهت بخالقك، تستر العيوب مثله". ثم أن الأخ رجع إلى نفسه وصار راهباً حكيماً مجاهداً وبطلاً شجاعاً. 

 + اعتادوا أن يقولوا قصة عن أبا مقاريوس الكبير انه صار متشبهاً بالرب. لأنه كما أن االله يستر على العالم، هكذا فعل أبا مقاريوس ايضاً وستر على الأخطاء التي رآها، كأنه لم يرها، والتي سمعها كأنه لم يسمعها.

ففي إحدى المرات أتت امرأة إلى أبا مقاريوس لتشفى من شيطان. ووصل أخ من دير كان في مصر ايضاً، وخرج الشيخ بالليل، فرأى الأخ يرتكب الخطية مع المرأة. ولكنه لم يوبخه وقال: 

 "ان كان الله الذي خلقه يراه ويطيل أناته، لأنه أن كان يشاء، كان يستطيع أن يفنيه، فمن أكون أنا حتى أوبخه؟!". 

ومرة طلب منه أخ أن يقول له كلمة، فقال له: "لا تصنع بأحد شراً، ولا تدن أحد، أحفظ هذين وانت تخلص".

هروب: 

 + قيل أن القديس مقاريوس دخل مرة إلى مدينة مصر ليعظ فيها. فلما حضر البيعة حضرت إليه جموع كثيرة ومنهم امرأة ظلت تزاحم حتى وصلت أمامه وجلست ثم بدأت تنظر إليه كثيراً. فالتفت اليها وانتهرها قائلاً: اكسري عينيك ايتها المرأة. لم تنظرين اليَّ هكذا؟ فقالت المرأة: لم لا تستح مني ايها الأب، وكيف علمت انني أنظر اليك لأني أنا أعمل الواجب وانت تعمل غير الواجب .

فقال لها: فسري لي هذا الكلام. 

فقالت نعم: نعم انك خلقت من الأرض وواجب عليك أن تنظر اليها دائماً لأنها هي أمك أما أنا فقد خلقت منك وواجب علي أن أنظر اليك.

. فلما سمع القديس منها ذلك

ترك الموضع وخرج هارباً ولم يتمم وعظه. 

بقية أخباره 

 + كان يمنع تلاميذه من أن تكون لهم قنية البتة. وكان بالقرب منه راهب يسكن. 

اراد القديس أن يجربه فدخل إلى مزرعته الصغيرة وصار يقلع منها النبات من الأصول، حتى بقى نبات واحد حينئذ قال الراهب ببساطة: يا أبانا أن شئت أن تتركه فنحصل منه على تقاوي. عند ذلك علم الشيخ القديس أن هذا الراهب خالص عند االله وليست عنده الزراعة فنية. 

فقال: ياولدي لقد استراح روح االله عليك. ثم قال لتلاميذه: لو كان مشفقاً على النبات لظهر تأسفه وقلقه عند اقتلاعها وتلفها ولكنها عنده كلا شيء وهكذا يعرف الشياطين كيف يحاربون من لهم حب القنية. 

 + كان سائراً مرة في البرية الداخلية فوجد جمجمة انسان ملقاة فوقف عندها، ثم حركها بعصاه وبدأ يبكي ورفع عينيه إلى السماء في تضرع بلجاجة شديدة طالباً من السيد المسيح أن يعلمه بقصة صاحب هذه الجمجمة. 

 ثم حركها ثانية وخاطبها: أسألك باسم المسيح أن تتكلمي. فخرج صوت من الجمجمة قائلاً: ماذا تريد مني يا مقاريوس البار؟! 

فقال لها: أريد أن أعرف تاريخ صاحبك. فقالت له الجمجمة: اعلمك بأني كنت رأساً لملك هذه الأماكن؟!. وكانت هنا

بلاد ومدن كثيرة. فتعجب القديس وسألها: ماذا كان اعتقادكم؟ فقالت: كنا نعبد الأصنام وندعوها آلهة ونعمل لها أعياداً وحفلات لا يقدر أحد أن يصنع مثلها وكانت المملكة

عظيمة جداً وها أنا اليوم كما ترى يا أبانا القديس. 

 ولما سمع ذلك انبا مقاريوس بكى بكاء عظيماً. ثم سأل: وما هي حالكم اليوم؟ .. 

فقالت: نحن في عذاب شديد لأننا لم نعرف الله ولكنه عذاب أخف وطأة من الذين عرفوا الله وآمنوا به ثم جحدوه. فتألم القديس كثيراً ثم تركها ومضى عائداً إلى قلايته. 


 + قال أبا مقاریوس: أن كنا نتذكر شرور الناس فاننا نضر ذاكرتنا. أما أن تذكرنا كيف أن الشيطان يتصرف بطريقة شريرة فاننا نبقى بلا ضرر. 


 + في إحدى المرات بينما كان الانبا مقاريوس عابراً على مصر مع بعض الأخوة، سمع طفلاً يقول لأمه: "يا أمي أن غنياً يحبني ولكني لا أبادله الحب، وفقيراً يكرهني وأنا أحبه". فلما سمع الأبا مقاريوس هذا تعجب. فقال له الاخوة: "ما معنى هذه الكلمات يا ابانا؟" فقال لهم الشيخ: "حقاً أن الرب هو الغني وهو يحبنا، ونحن لا نريد أن نسمع له. أما عدونا الشيطان فهو فقير ويكرهنا ونحن نحب أموره الضارة". 


 + كان هناك راهب يدعى بولس وكان تدبير حياته هكذا: 

 لم يكن يقترب إلى العمل الشاق الذي لشغل اليدين، ولا إلى أمور البيع والشراء الا بما يكفي لكمية الغذاء الضئيلة التي يتناولها في اليوم. ولكنه برع في عمل واحد،

وهو انه كان يصلي باستمرار دون توقف. وكان قد وضع لنفسه قانوناً أن يصلي ثلاثمائة صلاة يومياً. ووضع في حضنه كمية من الرمل (لعله يقصد من الحصى)،


ومع كل صلاة يصليها كان يضع حبة منها في يده. 

 هذا الراهب سأل القديس مقاريوس قائلاً: "يا أبي، اني مغموم جداً". فسأله الشيخ أن يخبره عن سبب ضيقته. فأجابه قائلاً: "لقد سمعت عن عذراء قضت في الحياة النسكية ثلاثين سنة، وقد أخبرنا "الأب أور" (اي الكبير) بخصوصها انها تتقدم اسبوعياً، وانها تتلو خمسمائة صلاة في اليوم. فلما سمعت هذا احتقرت نفسي جداً، لأني لا استطيع أن اتلو أكثر من ثلاثمائة صلاة". 


 حينئذ أجابه القديس مقاريوس وقال: 

 "انني عشت في الحياة النسكية ستين سنة. وأتلو في اليوم خمسين صلاة. وأعمل بما فيه الكفاية لتزويد نفسي بالطعام. واستقبل الأخوة الذين يأتون اليَّ، وأقول لهم ما يناسب .. وعقلي لا يلومني على انني مقصر من جهة الله. فهل أنت الذي تصلي ثلاثمائة صلاة تدان من أفكارك؟! ربما لا تقدم هذه الصلوات بنقاوة، أو انك قادر على أن تعمل أكثر من هذا، ولا تعمل.

٩ -جهاده ضد الشياطين: 

(أ) نومه في مقبرة متوسداً جمجمة: 

 صعد الأب مقاريوس مرة من الاسقيط إلى البرية فأتى إلى ناووس (جبانة)  حيث كانت هناك جثث يونانية قديمة. فأخذ القديس جمجمة ووضعها تحت رأسه. فلما رأى الشياطين جسارته حسدوه وأرادوا أن يزعجوه فنادوا بصوت عال باسم مستعار

لامرأة قائلين: يا فلانه قد أخذنا الصابون والأشنان وأدوات الحمام وها نحن في انتظارك لتكوني معنا. فخرج صوت من الجمجمة من تحت رأسه قائلاً: 

 أن عندي ضيفاً وهو رجل غريب متوسد عليَّ فلا يمكنني المجيء. امضوا انتم. 

أما القديس فانه لم ينزعج ولكنه رفع رأسه عنها وحركها بيده قائلاً: "ها انذا قد قمت عنك فان استطعت الذهاب فانطلقي معهم إلى الظلمة". ثم عاد ووضع رأسه عليها -

فلما رأى الشياطين ذلك منه تركوه بخزي عظيم وصرخوا قائلين: امض عنا يا مقاريوس وهربوا. 


(ب) كشفه أسلحة الشيطان المحتال: 

 جاء عن القديس مقاريوس انه كان في وقت ما سائراً في أقصى البرية. فأبصر شخصاً هرماً حاملاً حملاً ثقيلاً يحيط بسائر جسمه، وكان ذلك الحمل عبارة عن أوعية

كثيرة في كل منها ريشة، وكان لابساً اياها بدلاً من الثياب، فوقف مقابله وجهاً لوجه يتأمله، وكان يتظاهر بالخجل تظاهر اللصوص المحتالين. 

فقال للبار: ماذا تعمل في هذه البرية تائهاً وهائماً على وجهك فأجابه الأب قائلاً: أنا تائه طالب رحمة السيد المسيح. ولكني أسألك ايها الشيخ باسم الرب أن تعرفني من أنت؟ .. لأني أرى منظرك غريباً عن أهل العالم، كما تعرفني أيضاً ما هي هذه الأوعية المحيطة بك، وما هو هذا الريش أيضاً؟ 

 وقد كان الثوب الذي عليه مثقباً كله. وفي كل ثقب قارورة - فأقر العدو بغير اختياره وقال: يا مقاريوس، أنا هو الذي يقولون عنه شيطان محتال. أما هذه الأوعية فبواسطتها أجذب الناس إلى الخطية، وأقدم لكل عضو من أعضائهم ما يوافقه من أنواع الخديعة، وبريش الشهوات أكحل من يطيعني ويتبعني وأسر بسقوط الذين أغلبهم، فاذا

أردت أن أضل من يقرأ نواميس الله وشرائعه، فما على الا أن أدهنه من الوعاء الذي على رأسي، ومن أراد أن يسهر في الصلوات والتسابيح فاني آخذ من الوعاء الذي على

حاجبي والطخ عينيه بالريشة وأجلب عليه نعاساً كثيراً واجذبه إلى النوم. والأوعية الموجودة على مسامعي معدة لعصيان الأوامر وبها اجعل من يسمع إلى لا يذعن لمن

يرشده. والتي عند انفي بها اجتذب الشاب إلى اللذة. أما الأوعية الموضوعة عند فمي فبواسطتها اجتذب النساك إلى الأطعمة، وبها أجذب الرهبان إلى الوقيعة والكلام القبيح،


وبذور أعمالي كلها أوزعها على من كان راغباً. ليعطي أثماراً لائقة بي. فأبذر بذور الكبرياء. أما من كان على ذاته متكلاً فاني اجعله يتعالى بالأسلحة التي في عنقي. والتي عند صدري فهي مخازن أفكاري ومنها أسقي القلوب مما يؤدي إلى سكر الفكر وأشتت وابعد الأفكار الصالحة من أذهان اولئك الذين يريدون أن يذكروا مستقبل حياتهم الأبدية. 

أما الأوعية الموجودة عند جوفي فهي مملوءة من عدم الحس وبها أجعل الجهال لا يحسون وأحسن لهم المعيشة على مذبح الوحوش والبهائم .. أما التي تحت بطني فمن شأنها أن تسوق إلى فعل سائر أنواع وضروب الزنى والعشق واللذات القبيحة. والتي على يدي فهي معدة لضرب الجسد والقتل. 

والمعلقة وراء ظهري ومنكبي فهي مملوءة من أنواع المحن المختصة بي وبها أقارع الذين يرومون محاربتي فأنصب خلفهم فخاخاً. وأذل من كان على قوته متكلاً، 

والتي على قدمي فهي مملوءة عثرات أعرقل بها طرق المستقيمين. ومن شأني أن أخلط في بذر فلاحتي صنوفاً من

الحسك والشوك. والذين يحصدون منها يساقون إلى أن ينكروا طريق الحق. 


 وبعد أن قال هذا صار دخاناً واختفى. وان القديس القى بنفسه على الأرض وابتهل إلى االله بدموع لكي يحارب بقوته عن الضعفاء سكان البرية ويحفظهم. 

(جـ) الشياطين تحاول أن تقتله: 

قيل أن الأب مقاريوس مضى مرة إلى البهلس ليقطع خوصاً. فأتاه الشيطان وأخذ منه المنجل وهم أن يضربه به. أما هو فلم يفزع بل قال له: أن كان السيد المسيح قد أعطاك سلطاناً عليَّ فها أنا مستعد لأن تقتلني، فانهزم الشيطان وانصرف عنه هارباً. 

شجاعته أمام الشيطان: 

 ويروي بلاديوس حادثة أخرى مشابهة يقول فيها: 

 وبينما كان أبا مقاريوس ذاهباً من الحصاد إلى قلايته في احدى المرات، وكان حاملاً بعض الخوص لاقاه ابليس ممسكاً بيده منجلاً في الطريق. ولما هم بأن يجرح مقاريوس عاد ابليس فخاف وسقط وقدم خضوعاً للرجل الطوباوي. حينئذ هرب الشيخ من ذاك المكان، وأخبر الأخوة بما جرى. فعندما سمعوا مجدوا االله. 

حسد الشياطين للرهبان: 

 أتى للقديس مقاريوس يوماً أحد كهنة الأصنام ساجداً له قائلاً: من أجل محبة المسيح عمدني ورهبني. فتعجب الأب من ذلك وقال له أخبرني كيف جئت إلى المسيح بدون وعظ. فقال له: 

 "كان لنا عيد عظيم. وقد قمنا بكل ما يلزمنا. وما زلنا نصلي إلى منتصف الليل حتى نام الناس. وفجأة رأيت داخل أحد هياكل الأصنام ملكاً عظيماً جالساً وعلى رأسه تاج جليل وحوله أعوانه الكثيرون فأقبل إليه واحد من غلمانه 

فقال له الملك: من أين جئت؟ فأجاب: من المدينة الفلانية، قال: وأي شيء عملت؟ قال: القيت في قلب امرأة كلمة صغيرة تكلمت بها إلى امرأة أخرى لم تستطع احتمالها فأدى ذلك إلى قيام مشاجرة كبيرة بين الرجال تسبب عنها قتل كثيرين في يوم واحد. 

 فقال الملك: أبعدوه عني لأنه لم يعمل شيئاً. فقدموا له واحداً آخر فقال له: من أين اقبلت؟ .. قال: من بلاد الهند. قال: وماذا عملت؟ .. أجاب وقال: دخلت داراً فوجدت

ناراً قد وقعت من يد صبي فأحرقت النار الدار فوضعت في قلب شخص أن يتهم شخصاً آخر وشهد عليه كثيرون زوراً بأنه هو الذي احرقها. قال في أي وقت فعلت ذلك؟ .. 

قال: في نصف الليل. فقال الملك: ابعدوه عني خارجاً. ثم قدموا إليه ثالثاً. فقال له: من اين جئت؟ أجاب وقال: كنت في البحر وأقمت حرباً بين بعض الناس فغرقت سفن وتطورت إلى حرب عظيمة ثم جئت لأخبرك فقال الملك: ابعدوه عني. وقدموا له رابعاً وخامساً وهكذا أمر بأبعادهم جميعاً بعد أن وصف كل منهم أنواع الشرور التي قام بها حتى آخر لحظة.

 إلى أن اقبل إليه أخيراً واحد منهم فقال له: من اين جئت؟ 

قال: من الاسقيط. قال له: وماذا كنت تعمل هناك؟ قال: لقد كنت أقاتل راهباً واحداً ولي اليوم أربعون سنة وقد صرعته في هذه اللحظة واسقطته في الزنا وجئت لأخبرك. فلما

سمع الملك ذلك قام منتصباً وقبله ونزع التاج من على رأسه وألبسه اياه وأجلسه مكانه ووقف بين يديه وقال: 

 "حقاً لقد قمت بعمل عظيم". فلما رأيت أنا كل ذلك، وقد كنت مختبئاً في الهيكل،

قلت في نفسي: ما دام الأمر كذلك فلا يوجد شيء أعظم من الرهبنة، وللوقت خرجت وجئت بين يديك. 

 فلما سمع الأب منه هذا الكلام عمده ورهبنه وكان في كل حين يقص على الأخوة أمر هذا الرجل الذي أصبح بعد ذلك راهباً جليلاً. 


 ولكنه عانى أيضاً من تجارب داخلية مثلما يلي: 

 + طلب أبونا القديس أن يعرف الرب من يضاهيه في سيرته، فجاءه صوت من السماء قائلاً: "تضاهي امرأتين هما في المدينة الفلانية" 

فلما سمع هذا تناول عصاه الجريد ومضى إلى المدينة. فلما تقصى عنهما وصادف منزلهما، قرع الباب فخرجت

واحدة وفتحت له الباب. فلما نظرت الشيخ ألقت ذاتها على الأرض ساجدة له دون أن تعلم من هو - اذ أن المرأتين كانتا تراين زوجيهما يحبان الغرباء - ولما عرفت الأخرى، وضعت ابنها على الأرض وجاءت فسجدت له، وقدمت له ماء ليغسل رجليه كما قدمت له مائدة ليأكل. 

 فأجاب القديس قائلاً لهما: "ما أدعكما تغسلان لي رجلي بماء، ولا آكل لكما خبزاً، الا بعد أن تكشفا لي تدبيركما مع الله كيف هو، لأني مرسل من االله اليكما". 

فقالتا له: "من أنت يا أبانا؟" فقال لهما: "أنا مقاره الساكن في برية الاسقيط". فلما سمعتا ارتعدتا وسقطتا على وجهيهما أمامه باكيتين. فانهضهما، فقالتا له: "اي عمل تطلب منا نحن الخاطئتين ايها القديس؟!". 

 فقال لهما: "من أجل الله تعبت وجئت اليكما، فلا تكتما عني منفعة نفسي".  

فأجابتا قائلتين: "نحن في الجنس غريبتان احدانا عن الأخرى ولكننا تزوجنا أخوين حسب الجسد وقد طلبنا منهما أن نمضي ونسكن في بيت الراهبات ونخدم الله بالصلاة

والصوم، فلم يسمحا لنا بهذا الأمر. فجعلنا لأنفسنا حداً أن تسلك أحدانا مع الأخرى بكمال المحبة الالهية. 

 وها نحن حافظتان نفسينا بصوم دائم إلى السماء وصلاة لا تنقطع. وقد ولدت كل واحدة منا ولداً. فمتى نظرت احدانا ابن اختها يبكي، تأخذه وترضعه كانه ابنهما. 

هكذا تعمل كلتانا. ورجلانا راعيا ماعز وغنم، يأتيان من المساء إلى المساء الينا كل يوم فنقبلهما مثل يعقوب ويوحنا بني زبدي، كأخوين قديسين. ونحن مسكينتان بائستان،

وهما دائبان على الصدقة الدائمة ورحمة الغرباء. ولم تسمح لأنفسنا أن تخرج من فم الواحدة منا كلمة عالمية البتة، بل خطابنا وفعلنا مثل قاطني جبال البرية. 

 فلما سمع هذا منهما، خرج من عندهما، وهو يقرع صدره ويلطم وجهه، قائلاً: 

"ويلي ويلي، ولا مثل هاتين العالميتين لي محبة لقريبي" وانتفع منهما كثيراً. 

القدیس مقاریوس صانع المعجزات 

انطلاق الزوج صاحب الودیعة: 

 مرة نزل الأب مقاريوس الاسقيطي إلى الحصاد وبصحبته سبعة اخوة. وكانت امرأة تلتقط خلف الحصادين وهي لا تكف عن البكاء فاستفهم الأب من رئيس الحصادين عن أمر هذه العجوز وعن سبب بكائها دائماً .. 

فأجابه: أن رجلها عنده وديعة لانسان مقتدر. وقد مات فجأة ولا تعلم هذه المرأة موضع هذه الوديعة فلما استراح الحصادون من الحر دعا الشيخ المرأة وقال لها: هلمي أريني قبر زوجك. فلما وصل اليه صلى مع الأخوة. ثم نادى الميت قائلاً: يا فلان اين تركت الوديعة التي عندك؟ فاجابه: انها في بيتي تحت رجل السرير.

فقال له القديس: نم ايضاً. 

فلما عاين الأخوة ذلك تعجبوا. فقال لهم القديس:

" ليس من اجلي كان هذا الأمر لأني لست شيئاً. بل انما صنع الله هذا من أجل الأرملة واليتامى" 

ولما سمعت المرأة بموضع الوديعة انطلقت واخذتها واعطتها لصاحبها. وكل الذين سمعوا هذا سبحوا الله. 

صلة القدیس مقاریوس بالقدیسين 

أولاً- القدیس انطونيوس: 

 لما سمع القديس مقاريوس بسيرة الأنبا انطونيوس، وبأعماله الفاضلة، مضى اليه. فقبله القديس انطونيوس وعزاه وأرشده إلى طريق الرهبنة وألبسه الزي، ثم عاد إلى موضعه. 

ثانياً- القدیسان مكسيموس ودومادیوس: 

 قال الأب مقاريوس: حدث يوماً وأنا جالس بالأسقيط أن أتاني شابان غريبان احدهما متكامل اللحية، والآخر قد بدأت لحيته، فقالا لي: أين قلاية مقاريوس؟ فقلت لهما: وماذا تريدان منه؟ أجاباني نريد مشاهدته. فقلت لهما: أنا هو. فصنعا مطانية. 

وقالا: يا معلم نشاء أن نقيم عندك فلما وجدت انهما في حالة ترف ومن أبناء نعمة وغنى اجبتهما: لكنكما لا تحتملان السكنى ها هنا. فأجابني الأكبر قائلاً: أن لم نحتمل

السكنى ها هنا فاننا نمضي إلى موضع آخر. فقلت في نفسي: لماذا اطردهما، وشيطان التعب يشككهما فيما عزما عليه؟ فقلت لهما: هلما فاصنعا لكما قلاية أن قدرتما.

فقالا: ارنا موضعاً يصلح. فاعطيتهما فأساً وقفة وكذلك قليلاً من الخبز والملح وأريتهما صخرة صلبة وقلت لهما: انحتا ههنا واحضرا لكم خصاً من الغابة وسقفاً واجلسا. 

وتوهمت انهما سوف ينصرفان من شدة التعب. فقالا لي: وماذا تصنعون ها هنا؟ فقلت لهما: اننا نشتغل بضفر الخوص. واخذت سعفاً واريتهما بدء الضفيرة وكيف تخاط

وقلت لهما: اعملا زنابيل وادفعاها إلى الخفراء ليأتوكما بخبز، وعرفتهما ما يحتاجان من معرفة ثم انصرفت عنهما. 

 أما هما فأقاما ثلاث سنوات ولم يأتياني. فبقيت مقاتلاً الأفكار من أجلهما اذ لم يأتيا إلى ولا سألاني في شيء. ولم يحاولا الكلام مع أحد قط. ولم يبارحا مكانهما الا كل

يوم أحد فقط حيث كانا يمضيان إلى الكنيسة لتناول القربان وهما صامتان. فصليت صائماً اسبوعاً كاملاً إلى االله ليعلن لي امرهما. وبعد الأسبوع مضيت اليهما لافتقدهما

وأعرف كيف حالهما. فلما قرعت الباب عرفاني وفتحا لي وقبلاني صامتين وجلست. 

وأومأ الأكبر إلى الأصغر بأن يخرج. أما الأكبر فجلس يضفر في الضفيرة ولم يتكلم قط. فلما حانت التاسعة أومأ إلى الشاب فأتاه وأصلحا مائدة وجعلا عليها ثلاث خبزات

يقسماطات وداما صامتين. 

 فقلت لهما: هيا بنا نأكل. فنهضنا وأكلنا، واحضرا كوز ماء فشربنا. ولما حان المساء قالا لي: أتنصرف؟ فقلت لهما: لن أنصرف، لكني سوف أبيت ها هنا الليلة.

فبسطا حصيرة في ناحية وبسطا أخرى لهما في ناحية أخرى وحلا اسكيميهما ومنطقتيهما ورقدا قدامي على الحصيرة. فصليت إلى االله أن يعلن لي ماذا يعملان. واذ كنت راقداً ظهر فجأة في القلاية ضوء كضوء النهار قدامي وكانا يشهدانه فلما ظنا اني نائم نخس الأكبر الأصغر وأقامه. وتمنطقا وبسطا ايديهما إلى السماء وكنت اراهما

وهما لا يبصراني. وإذا بي أرى الشياطين مقبلين نحو الأصغر كالذباب، فمنهم من كان يريد الجلوس على فمه، ومنهم من كان يريد أن يجلس على عينيه. فرأيت ملاك الرب حاملاً سيفاً نارياً وهو يحيط بهما. ويطرد الشياطين عنهما. أما الأكبر فلم يقدروا على الاقتراب منه. 

 فما حان الفجر حتى وجدتهما وقد طرحا نفسيهما على الأرض وناما. فتظاهرت كأني استيقظت وهما كذلك. 

 فقال لي الأكبر هذه الكلمة فقط: أتشاء أن نقول الاثنى عشر مزموراً. فقلت نعم.  فقرأ الصغير خمس مزامير وفي نهاية كل ست استيخونات الليلويا واحدة، ومع كل

كلمة كان يقولها، كان يبرز من فمه شهاب نار يصعد إلى السماء. كذلك الكبير، الذي اذ كان يفتح فمه ويقرأ كان كلامه مثل جبل نار خارجاً وصاعداً إلى السماء. 

 فلما انقضت الصلاة انصرفت قائلاً: صليا من أجلي. فصنعا لي مطانية وهما صامتان. وبعد أيام قليلة تنيح الأكبر وفي ثالثه تنيح الصغير كذلك. ولما كان الآباء يجتمعون بالأب مقاريوس كان يأخذهم إلى قلايتهما ويقول: هلموا بنا نعاين شهادة الغرباء الصغار. 

 + سأل أخوة شيخاً: لماذا حدث أن الأخوين الرومانيين اللذين اتيا إلى الأنبا مقاريوس لم يذهبا إليه طوال مدة الثلاث سنوات التي قضياها إلى جواره - ولا إلى أحد

من الشيوخ - ليسألا أسئلة عن أفكارهما؟ 

 فأجاب الشيخ: لأن الأخ الأكبر كان حكيماً إلى درجة كبيرة، وكان كاملاً ومتواضعاً. فان كان قد ذهب إلى الأبا مقاريوس أو إلى واحد من الشيوخ الآخرين، فان كماله كان سينكشف. وكان سينال مديحاً في كل الاسقيط من الآباء الذين كانوا

سيتعجبون قائلين: "كيف يحدث هذا: أن يصير شاب كاملاً في ثلاث سنوات؟" فلا يليق بنا - على أية الحالات - أن نقلد هذين الأخوين ونهمل تعليم الشيوخ! 

فمن جهة الأخوين، كان الأكبر كاملاً، والأصغر كان متواضعاً وكان يتعلم منه.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة